الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: الْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ كُلُّ نَصْلٍ مِنْ سَهْمٍ أَوْ نُشَّابَةٍ وَالْأَسْبَاقُ ثَلاَثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيهِ الْوَالِي أَوْ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُسَبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَهَذَا حَلاَلٌ لِمَنْ جُعِلَ لَهُ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ، وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدَانِ أَنْ يَسْتَبِقَا بِفَرَسَيْهِمَا وَلاَ يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُخْرِجَانِ سَبَقَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمَا فَرَسًا وَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ فَرَسًا كُفْئًا لِلْفَرَسَيْنِ لاَ يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَتَوَاضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يَثِقَانِ بِهِ أَوْ يَضْمَنَانِهِ وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا كَانَ السَّبَقَانِ لَهُ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَالسَّبَقُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَسْبِقَ بِالْهَادِي أَوْ بَعْضِهِ أَوْ الْكَتِدِ أَوْ بَعْضِهِ وَسَوَاءٌ لَوْ كَانُوا مِائَةً وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلاً فَكَذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبَهُ أَحْرَزَ سَبَقَهُ. وَلاَ يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الَّتِي يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَيَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةً وَالنِّضَالُ فِيمَا بَيْنَ الرُّمَاةِ كَذَلِكَ فِي السَّبَقِ وَالْعِلَلِ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجُوزُ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا، وَاخْتَلَفَا فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَجَعَلاَ بَيْنَهَا قَرَعًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِطَا مُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةً فَإِنْ اشْتَرَطَا مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ الْآخَرُ بِمِثْلِهِ أَسْقَطَا الْعَدَدَيْنِ وَلاَ شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَسْتَأْنِفَانِ. وَإِنْ أَصَابَ أَقَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ حَطَّ مِثْلَهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ فَضْلُ الْعَدَدِ الَّذِي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ بِهِ وَيَسْتَحِقَّ سَبَقَهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ يَلْزَمُهُ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَوَّلَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَجَائِزٌ وَلاَ يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا مَعْلُومًا كَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ. وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يُطْعِمَ أَصْحَابَهُ كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الرُّمَاةِ مَنْ يَقُولُ: صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ وَالْمُسَبِّقُ لَهُمَا يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا وَأَيُّهُمَا بَدَأَ مِنْ وَجْهٍ بَدَأَ صَاحِبُهُ مِنْ الْآخَرِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حَتَّى يُنْفِدَا نَبْلَهُمَا، وَإِذَا عَرِقَ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أَوْ انْكَسَرَتْ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ أَوْ عَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَأَصَابَهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لاَ يَمُرُّ السَّهْمُ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إنْ جَازَ السَّهْمُ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ لَيْسَ بِعَارِضٍ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلاَ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُرَاسِلُهُ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ سَهْمَهُ ذَلِكَ فَلَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ أَنْ يُفَوِّتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَ كَالْمُحَاطَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ لاَ يَنْضُلُهُ حَتَّى يَرْمِيَ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق لَمْ يُحْسَبْ خَاسِقًا حَتَّى يَخْزِقَ الْجِلْدَ بِنَصْلِهِ وَلَوْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَمَنْ أَصَابَ الشَّنَّ وَلَمْ يَخْرِقْهُ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ وَإِذَا اشْتَرَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِالْهَدَفِ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ وَغَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذَ بِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّنُّ بَالِيًا فَأَصَابَ مَوْضِعَ الْخَرْقِ فَغَابَ فِي الْهَدَفِ فَهُوَ مُصِيبٌ وَإِنْ أَصَابَ طَرَفَ الشَّنِّ فَخَرَقَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يُحْسَبُ لَهُ خَاسِقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّنِّ طَعْنَةٌ أَوْ خَيْطٌ أَوْ جِلْدٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الشَّنِّ يُحِيطُ بِالسَّهْمِ وَيُسَمَّى بِذَلِكَ خَاسِقًا وَقَلِيلُ ثُبُوتِهِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ. قَالَ وَلاَ يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا وَجَّهُوا بِأَنْ يُقَالَ خَاسِقٌ إلَّا مَا أَحَاطَ بِهِ الْمَخْسُوقُ فِيهِ وَيُقَالُ لِلْآخَرِ خَارِمٌ لاَ خَاسِقٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْخَاسِقُ قَدْ يَقَعُ بِالِاسْمِ عَلَى مَا أَوْهَنَ الصَّحِيحَ فَخَرَقَهُ فَإِذَا خَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِبَعْضِ النَّصْلِ سُمِّيَ خَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْخَسْقَ الثَّقْبُ وَهَذَا قَدْ ثَقَبَ وَإِنْ خَرَقَ قَالَ: وَإِذَا وَقَعَ فِي خَرْقٍ وَثَبَتَ فِي الْهَدَفِ كَانَ خَاسِقًا وَالشَّنُّ أَضْعَفُ مِنْ الْهَدَفِ. وَلَوْ كَانَ الشَّنُّ مَنْصُوبًا فَمَرَقَ مِنْهُ كَانَ عِنْدِي خَاسِقًا وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ لاَ يَحْسُبُهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ قَالَ: فَإِنْ أَصَابَ بِالْقِدْحِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا مَا أَصَابَ بِالنَّصْلِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُفَارِقًا لِلشَّنِّ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَصَرَفَتْهُ أَوْ مُقَصِّرًا فَأَسْرَعَتْ بِهِ فَأَصَابَ حُسِبَ مُصِيبًا وَلاَ حُكْمَ لِلرِّيحِ، وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شَيْءٌ فَهَتَكَهُ السَّهْمُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ كَانَ مُصِيبًا، وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ وَهَذَا كَنَزْعِ إنْسَانٍ إيَّاهُ. وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّهَا نَصْلٌ، وَكَذَلِكَ الْقِسِيُّ الدُّودانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قَوْسٍ يُرْمَى عَنْهَا بِسَهْمٍ ذِي نَصْلٍ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَضِلَ رَجُلاَنِ وَفِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي يَدَيْ الْآخَرِ وَلاَ عَلَى أَنْ يُحْسَبَ خَاسِقُهُ خَاسِقَيْنِ وَالْآخَرُ خَاسِقٌ وَلاَ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا خَاسِقًا ثَابِتًا لَمْ يَرْمِ بِهِ، وَيُحْسَبُ لَهُ مَعَ خواسقه وَلاَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ مِنْ خواسقه خَاسِقًا وَلاَ عَلَى أَنَّ خَاسِقَ أَحَدِهِمَا خَاسِقَانِ وَلاَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَرْمِي مِنْ عَرْضٍ، وَالْآخَرَ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا فِي عَرْضٍ وَاحِدٍ وَعَدَدٍ وَاحِدٍ وَلاَ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِقَوْسٍ أَوْ نَبْلٍ بِأَعْيَانِهَا إنْ تَغَيَّرَتْ لَمْ يُبَدِّلْهَا وَمِنْ الرُّمَاةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا إذَا سَمَّيَا قَرَعًا يَسْتَبِقَانِ إلَيْهِ فَصَارَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ بَيْنَهُمَا زِيَادَةُ سَهْمٍ كَانَ لِلْمُسَبِّقِ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقَرَعِ مَا شَاءَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ الْقَرَعِ مَا لَمْ يَكُونَا سَوَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُسَبِّقِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ سَبَقُهُمَا فِي الْخَيْلِ وَلاَ فِي الرَّمْيِ وَلاَ فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى غَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ لاَ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَزِيدَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى زِيَادَةِ وَاحِدٍ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ أَصَبْت بِهَذَا السَّهْمِ فَقَدْ نَضَلْتُك إلَّا أَنْ يَجْعَلَ رَجُلٌ لَهُ سَبَقًا إنْ أَصَابَ بِهِ وَإِنْ قَالَ: ارْمِ عَشْرَةَ أَرْشَاقٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَرَ فَلَكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ. وَإِذَا رَمَى بِسَهْمٍ فَانْكَسَرَ فَإِنْ أَصَابَ بِالنَّصْلِ كَانَ لَهُ خَاسِقًا وَإِنْ أَصَابَ بِالْقِدْحِ لَمْ يَكُنْ خَاسِقًا. وَلَوْ انْقَطَعَ بِاثْنَيْنِ فَأَصَابَ بِهِمَا جَمِيعًا حُسِبَ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّنِّ نَبْلٌ فَأَصَابَ سَهْمُهُ فَوْقَ سَهْمٍ فِي الشَّنِّ لَمْ يُحْسَبْ وَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَمَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ دُونَ الشَّنِّ. وَإِذَا أَرَادَ الْمُسْتَبِقُ أَنْ يَجْلِسَ وَلاَ يَرْمِيَ وَلِلْمُسَبِّقِ فَضْلٌ أَوْ لاَ فَضْلَ لَهُ فَسَوَاءٌ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ الْفَضْلُ فَيَنْضُلُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفَضْلُ وَيَنْضُلُ وَالرُّمَاةُ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَا لَمْ يَنْضُلْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَأَحْسِبُهُ إنْ مَرِضَ مَرَضًا يَضُرُّ بِالرَّمْيِ أَوْ يُصِيبُ إحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إذَا تَرَاضَيَا عَلَى أَصْلِ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ قَالَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَهُ عَلَى أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَبَقَهُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الصَّوَابَ عَنْ الْفَارِسِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْهُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَإِنْ سَبَقَهُ وَلَمْ يُسَمِّ الْغَرَضَ كَرِهْته فَإِنْ سَمَّيَاهُ كَرِهْت أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ وَقَدْ أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسَبِّقِ أَنْ يُرَامِيَهُ رَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَهُ فِي الرُّقْعَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ. قَالَ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَرْمِيَا أَرْشَاقًا مَعْلُومَةً كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَلاَ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَفْرُغَا مِنْهَا إلَّا مِنْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ. عَاصِفٍ مِنْ الرِّيحِ وَمَنْ اعْتَلَّتْ أَدَاتُهُ أَبْدَلَ مَكَانَ قَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَوَتَرِهِ وَإِنْ طَوَّلَ أَحَدُهُمَا بِالْإِرْسَالِ الْتِمَاسَ أَنْ تَبْرُدَ يَدُ الرَّامِي أَوْ يَنْسَى حُسْنَ صَنِيعِهِ فِي السَّهْمِ الَّذِي رَمَاهُ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَلْيُسْتَعْتَبْ مِنْ طَرِيقِ الْخَطَأِ فَقَالَ: لَمْ أَنْوِ هَذَا- لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ: ارْمِ كَمَا تَرْمِي النَّاسُ لاَ مُعَجِّلاً عَنْ التَّثَبُّتِ فِي مُقَامِك وَنَزْعِك وَإِرْسَالِك وَلاَ مُبْطِئًا لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ بِالْحَبْسِ عَلَى صَاحِبِك قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرَّامِي يُطِيلُ الْكَلاَمَ وَالْحَبْسَ قِيلَ لَهُ: لاَ تُطِلْ وَلاَ تُعَجِّلْ عَمَّا يُفْهَمُ وَلِلْمُبْدِئِ أَنْ يَقِفَ فِي أَيِّ مُقَامٍ شَاءَ ثُمَّ لِلْآخَرِ مِنْ الْغَرَضِ الْآخَرِ أَيُّ مُقَامٍ شَاءَ وَإِذَا اقْتَسَمُوا ثَلاَثَةً وَثَلاَثَةً فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِعُوا وَلْيَقْتَسِمُوا قَسْمًا مَعْرُوفًا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أَخْتَارُ عَلَى أَنْ أَسْبِقَ وَلاَ عَلَى أَنْ أُسْبَقَ وَلاَ عَلَى أَنْ يَقْتَرِعَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ وَإِذَا حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلَ الْغَرَضِ فَقَسَمُوهُ فَقَالَ مَنْ مَعَهُ: كُنَّا نَرَاهُ رَامِيًا أَوْ مَنْ يَرْمِي عَلَيْهِ كُنَّا نَرَاهُ غَيْرَ رَامٍ وَهُوَ مِنْ الرُّمَاةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَرَفُوهُ، وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: اطْرَحْ فَضْلَك عَلَى أَنِّي أُعْطِيَك بِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَتَفَاسَخَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَا سَبَقًا جَدِيدًا قَالَ: وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ يَكُونَ فُلاَنٌ مُقَدَّمًا وَفُلاَنٌ مَعَهُ وَفُلاَنٌ ثَانٍ كَانَ السَّبْقُ مَفْسُوخًا وَلِكُلِّ حِزْبٍ أَنْ يُقَدِّمُوا مَنْ شَاءُوا وَيُقَدِّمُ الْآخَرُونَ كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الْبَدْءُ لِأَحَدِ الْمُتَنَاضِلِينَ فَبَدَأَ الْمُبْدَأُ عَلَيْهِ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ رُدَّ ذَلِكَ السَّهْمُ عَلَيْهِ. وَالصَّلاَةُ جَائِزَةٌ فِي الْمُضْرِبَةِ وَالْأَصَابِعِ إذَا كَانَ جِلْدُهُمَا ذَكِيًّا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مَدْبُوغًا مِنْ جِلْدِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مَا عَدَا كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يُطَهَّرُ بِالدِّبَاغِ، غَيْرُ أَنِّي أَكْرَهُهُ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبَ الْقَوْسِ وَالْقَرْنِ إلَّا أَنْ يَتَحَرَّكَا عَلَيْهِ حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُهُ وَتُجْزِئُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ مَكْرُوهَةٌ وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً؛ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ عليه السلام أَلاَ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا حَلَفْت بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَأَكْرَهُ الْأَيْمَانَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِيمَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَةٌ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَيُكَفِّرَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَلَمْ يَكُنْ أَثِمَ وَكَفَّرَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ لاَ يَنْفَعُ رَجُلاً فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُ وَبِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الظِّهَارِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا} ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ} فَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحِنْثِ عَامِدًا وَبِالتَّكْفِيرِ وَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ أَنَّ مَنْ حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الْكَفَّارَةِ سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَالَ: أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي حَلَفْت قَدِيمًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَادِثَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ فَإِنْ قَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَوْعِدًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ كَقَوْلِهِ سَأَحْلِفُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَفِي الْإِمْلاَءِ هِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ أَوْ وَعَظَمَتِهِ أَوْ وَجَلاَلِ اللَّهِ أَوْ وَقُدْرَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ يَمِينٌ نَوَى بِهَا يَمِينًا أَوْ لاَ نِيَّةَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ وَقُدْرَةُ اللَّهِ مَاضِيَةٌ لاَ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَقَالَ فِي الْإِمْلاَءِ: تَاللَّهِ يَمِينٌ وَقَالَ فِي الْقَسَامَةِ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَدْ حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَمِينَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام {وَتَاللَّهِ لاََكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: فَإِنْ قَالَ: اللَّهِ لاََفْعَلَنَّ فَهَذَا ابْتِدَاءُ كَلاَمٍ لاَ يَمِينَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا، فَإِنْ قَالَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَمِينًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ أَشْهَدُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ يَنْوِيهِ يَمِينًا لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا أَعْزِمُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ أَوْ بِعَوْنِ اللَّهِ عَلَى كَذَا وَإِنْ أَرَادَ يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: أَسْأَلُك بِاَللَّهِ أَوْ أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَحْلِفُ بِهَا يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا شَيْئًا فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ عَهْدًا أَنْ يُؤَدِّيَ فَرَائِضَهُ وَكَذَلِكَ مِيثَاقُ اللَّهِ بِذَلِكَ وَأَمَانَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَمَنْ حَلَفَ بِأَيِّ يَمِينٍ كَانَتْ ثُمَّ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولاً بِكَلاَمِهِ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلاَمُ نَسَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ سَكْتَةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ لِلتَّذَكُّرِ أَوْ الْعَيِّ أَوْ التَّنَفُّسِ أَوْ انْقِطَاعِ الصَّوْتِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ وَالْقَطْعُ أَنْ يَأْخُذَ فِي كَلاَمٍ لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَسْكُتَ السُّكُوتَ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَطَعَ وَقَالَ: لَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لاََفْعَلَنَّ كَذَا لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلاَنٌ فَإِنْ شَاءَ فَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَاتَ أَوْ غَابَ عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَالَ بِخِلاَفِهِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ فِي يَمِينِهِ: لاَ أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ فُلاَنٌ فَفَعَلَ وَلَمْ يَعْرِفْ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَحْنَثْ.
مِنْ هَذَا وَمِنْ اخْتِلاَفِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لاَ وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَاللَّغْوُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْكَلاَمُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجِمَاعُ اللَّغْوِ هُوَ الْخَطَأُ وَاللَّغْوُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ وَعَقْدُ الْيَمِينِ أَنْ يُثْبِتَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَأَرَادَ أَنْ يَحْنَثَ فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى يَحْنَثَ فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ بِغَيْرِ الصِّيَامِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَامَ لَمْ يُجِزْهُ لِأَنَّا نَزْعُمُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ حَقًّا فِي أَمْوَالِهِمْ {وَتَسَلَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ} وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدَّمُوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فَجَعَلْنَا الْحُقُوقَ فِي الْأَمْوَالِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا، فَأَمَّا الْأَعْمَالُ الَّتِي عَلَى الْأَبْدَانِ فَلاَ تُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ مَوَاقِيتِهَا كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلُقَتْ بِالْحِنْثِ وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك وَلَمْ يُوَقِّتْ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ لاَ يَحْنَثُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ هِيَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا مَنْ يُشْبِهُهَا أَوْ لاَ يُشْبِهُهَا خَرَجَ مِنْ الْحِنْثِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَإِنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ فِي قَوْلِ مَنْ يُوَرِّثُ الْمَبْتُوتَةَ إذَا وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي الْمَرَضِ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَدْ قَطَعَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهَا لاَ تَرِثُ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَهُوَ بِالْحَقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَرَّثَهَا مِنْهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَرَّثَهُ بِهِ مِنْهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَلَمْ يَرِثْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَرِثَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا قُلْنَا: يُجْزِي هَذَا {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِعِرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وَالْعِرْقُ فِيمَا يُقَدَّرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَذَلِكَ سِتُّونَ مُدًّا فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فِي كُلِّ بِلاَدٍ سَوَاءٌ وَلاَ أَرَى أَنْ يُجْزِيَ دَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَمْدَادِ وَمَا اقْتَاتَ أَهْلُ الْبُلْدَانِ مِنْ شَيْءٍ أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مُدٌّ وَيُجْزِي أَهْلُ الْبَادِيَةِ مُدُّ أَقِطٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله أَجَازَ الْأَقِطَ هَا هُنَا وَلَمْ يُجِزْهُ فِي الْفِطْرَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ بِلاَدٍ قُوتٌ مِنْ طَعَامٍ سِوَى اللَّحْمَ أَدَّوْا مُدًّا مِمَّا يَقْتَاتُ أَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ وَيُعْطِي الرَّجُلُ الْكَفَّارَةَ وَالزَّكَاةَ مَنْ لاَ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَالزَّوْجَةَ إذَا كَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ. وَإِنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ تَطَوُّعًا وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدَ وَلاَ يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا مِائَةً وَعِشْرِينَ مُدًّا فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ لَمْ يُجِزْهُ فَقَالَ: أَرَاك جَعَلْت وَاحِدًا سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَإِنْ شَهِدَ الْيَوْمَ شَاهِدٌ بِحَقٍّ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْغَدِ فَشَهِدَ بِهِ فَقَدْ شَهِدَ بِهَا مَرَّتَيْنِ فَهُوَ كَشَاهِدَيْنِ فَإِنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْعَدَدَ قِيلَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ لِلْمَسَاكِينِ الْعَدَدَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ أَطْعَمَ تِسْعَةً وَكَسَا وَاحِدًا لَمْ يُجِزْهُ حَتَّى يُطْعِمَ عَشَرَةً كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ثَلاَثَةِ أَيْمَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ وَكَسَا يَنْوِي الْكَفَّارَةَ وَلاَ يَنْوِي عَنْ أَيُّهَا الْعِتْقَ وَلاَ الْإِطْعَامَ وَلاَ الْكِسْوَةَ أَجْزَأَهُ وَأَيُّهَا شَاءَ أَنْ يَكُونَ عِتْقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَالنِّيَّةُ الْأُولَى تُجْزِئُهُ قَالَ: وَلاَ يُجْزِي كَفَّارَةٌ حَتَّى يُقَدِّمَ النِّيَّةَ قَبْلَهَا أَوْ مَعَهَا، وَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَهَذِهِ كَهِبَتِهِ إيَّاهَا مِنْ مَالِهِ وَدَفْعِهِ إيَّاهَا بِأَمْرِهِ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لِهِبَتِهِ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَنِّي فَوَلاَؤُهُ لِلْمُعْتِقِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَكَانَ عِتْقُهُ مِثْلَ الْقَبْضِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ كَانَ الْعِتْقُ كَالْقَبْضِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً كَفَّرَ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ لَمْ يُجِزْهُ وَكَانَ هُوَ الْمُعْتِقُ لِعَبْدِهِ فَوَلاَؤُهُ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُمَا. وَلَوْ صَامَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلاَ يُجْزِي أَنْ يَعْمَلَهُ غَيْرُهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةً وَلِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهُمَا عَلَى مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهِمَا وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ. وَمَنْ اشْتَرَى مِمَّا أَطْعَمَ أَوْ كَسَا أَجْزَتْهُ وَلَوْ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أَعْطَى مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسْكَنِهِ فَضْلٌ عَنْ خَادِمِهِ وَأَهْلِهِ، الْفَضْلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ غَنِيًّا لَمْ يُعْطِ، وَإِذَا حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ أَرَ الصَّوْمَ يُجْزِي عَنْهُ وَآمُرُهُ احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فَإِذَا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْنَثُ فِيهِ. وَلَوْ حَنِثَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلاَ يَصُومَ وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَ حَنِثَ حُكْمُ الصِّيَامِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَدْ قَالَ فِي الظِّهَارِ إنَّ حُكْمَهُ حِينَ يُكَفِّرُ وَقَدْ قَالَ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ: إنْ تَظَاهَرَ فَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً أَوْ أَحْدَثَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلاَةِ بِالتَّيَمُّمِ حَتَّى وَجَدَ الرَّقَبَةَ وَالْمَاءَ إنَّ فَرْضَهُ الْعِتْقُ وَالْوُضُوءُ وَقَوْلُهُ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهَا قَالَ: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلاَ يُعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَمَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ حَتَّى يُحْضِرَ مَالَهُ إلَّا بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَوْ الْعِتْقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ أَوْ مُقَنَّعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلاَةُ مِنْ الْكِسْوَةِ عَلَى كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ لَجَازَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ أَوْ فِي السَّفَرِ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يُجْزِئُ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ وَلاَ وَاجِبٍ إلَّا مُؤْمِنَةٌ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيُجْزِي فِيهِ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُ الزِّنَا وَكُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لاَ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا مِثْلَ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَالشَّلَلِ فِي الْخِنْصَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلاَ يُجْزِئُ الْمُقْعَدُ وَلاَ الْأَعْمَى وَلاَ الْأَشَلُّ الرِّجْلَ وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ وَالْخَصِيُّ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسُّلِّ. وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجِزْهُ وَلاَ يُعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَالِدُونَ وَالْمَوْلُودُونَ، وَلَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَيُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَلاَ يَجُوزُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَعْجِزَ فَيُعْتِقَ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيُجْزِئُ الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وَاحْتَجَّ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ أَجَازَ عِتْقَ الذِّمِّيِّ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا ذَكَرَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةٍ فَقَالَ: مُؤْمِنَةً ثُمَّ ذَكَرَ رَقَبَةً أُخْرَى فِي كَفَّارَةٍ كَانَتْ مُؤْمِنَةً؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ وَلَمَّا رَأَيْنَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَنْقُولاً إلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ فَيُعْتِقَ بِهِ ذِمِّيًّا وَيَدَعَ مُؤْمِنًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجْزَأَهُ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَالْعِدَّةُ أَنْ يَأْتِيَ بِعَدَدِ صَوْمٍ لاَ وَلاَءٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: إنَّ صِيَامَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُتَتَابِعٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَلْزَمُ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ صَوْمَ كَفَّارَةِ الْمُتَظَاهِرِ مُتَتَابِعًا وَهَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ مِثْلِهِ كَمَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِشَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَقَبَةَ الْقَتْلِ مُؤْمِنَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ رَقَبَةَ الظِّهَارِ مِثْلَهَا مُؤْمِنَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ شَبِيهَةٌ بِكَفَّارَةٍ فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ عَنْ ذَنْبٍ بِالْكَفَّارَةِ عَنْ ذَنْبٍ أَشْبَهَ مِنْهَا بِقَضَاءِ رَمَضَانَ الَّذِي لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ عَنْ ذَنْبٍ فَتَفَهَّمْ، قَالَ: وَإِذَا كَانَ الصَّوْمُ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ فِيهِ الصَّائِمُ أَوْ الصَّائِمَةُ مِنْ عُذْرٍ وَغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَا الصِّيَامَ إلَّا الْحَائِضَ فَإِنَّهَا لاَ تَسْتَأْنِفُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْمَرَضُ كَالْحَيْضِ وَقَدْ يَرْتَفِعُ الْحَيْضُ بِالْحَمْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَرْتَفِعُ الْمَرَضُ قَالَ: وَلاَ صَوْمَ فِيمَا لاَ يَجُوزُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا مِثْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله مَنْ لَزِمَهُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ فِي زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ حَجٍّ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ يُحَاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءَ، فَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ فِي كَفَّارَةٍ فَإِنْ حَمَلَ ثُلُثُهُ الْعِتْقَ أَعْتَقَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثَ أَطْعَمَ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يُجْزِئُ الْعَبْدَ فِي الْكَفَّارَةِ إلَّا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَالاً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلاَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَزِمَهُ بِإِذْنِهِ وَلَوْ صَامَ فِي أَيِّ حَالٍ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ حَنِثَ ثُمَّ أَعْتَقَ وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ حُرٍّ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالِكٌ وَلَوْ صَامَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَوْمَ حَنِثَ حُكْمُ الصِّيَامِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ مَضَتْ الْحُجَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ يَوْمَ يُكَفِّرُ لاَ يَوْمَ يَحْنَثُ كَمَا قَالَ: إنَّ حُكْمَهُ فِي الصَّلاَةِ حِينَ يُصَلِّي كَمَا يُمْكِنُهُ لاَ حِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ. قَالَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَنِصْفُهُ عَبْدٌ وَنِصْفُهُ حُرٌّ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ لِنَفْسِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ الصَّوْمُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ لِنَفْسِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله إنَّمَا الْمَالُ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ لاَ يَمْلِكُ مِنْهُ النِّصْفَ الْعَبْدُ شَيْئًا فَكَيْفَ يُكَفِّرُ بِالْمَالِ نِصْفُ عَبْدٍ لاَ يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَحَقَّ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ كَرَجُلٍ مُوسِرٍ بِنِصْفِ الْكَفَّارَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّوْمُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا كَانَ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَسْكُنَهَا أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مَكَانَهُ وَإِنْ تَخَلَّفَ سَاعَةً يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ فَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلاً وَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَى حَمْلِ مَتَاعِهِ وَإِخْرَاجِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسُكْنَى، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُسَاكِنَهُ وَهُوَ سَاكِنٌ فَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا سَاعَةً يُمْكِنُهُ التَّحْوِيلُ عَنْهُ حَنِثَ وَلَوْ كَانَا فِي بَيْتَيْنِ فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا حَدًّا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُجْرَتَيْنِ بَابٌ فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِمُسَاكَنَةٍ وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُسَاكَنَةُ أَنْ يَكُونَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَيْتَيْنِ حُجْرَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ، وَإِذَا افْتَرَقَ الْبَيْتَانِ أَوْ الْحُجْرَتَانِ فَلَيْسَتْ بِمُسَاكَنَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ النُّقْلَةَ بِبَدَنِهِ دُونَ مَتَاعِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ؟ قِيلَ: أَرَأَيْت إذَا سَافَرَ أَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ السَّفَرِ فَيَقْصُرُ؟ أَوْ رَأَيْت لَوْ انْقَطَعَ إلَى مَكَّةَ بِبَدَنِهِ أَيَكُونُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ إنْ تَمَتَّعُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ دَمٌ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ فَإِنَّمَا النُّقْلَةُ وَالْحُكْمُ عَلَى الْبَدَنِ لاَ عَلَى مَالٍ وَأَهْلٍ وَعِيَالٍ، وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُهَا فَرَقَى فَوْقَهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتًا مِنْهَا أَوْ عَرْصَتَهَا. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لاَبِسُهُ وَلاَ يَرْكَبُ دَابَّةً وَهُوَ رَاكِبُهَا فَإِنْ نَزَعَ أَوْ نَزَلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا حَنِثَ وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَسْكُنُ بَيْتًا وَهُوَ بَدْوِيٌّ أَوْ قَرَوِيٌّ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَأَيُّ بَيْتٍ مِنْ شِعْرٍ أَوْ أُدْمٍ أَوْ خَيْمَةٍ أَوْ بَيْتٍ مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَيْتٍ سَكَنَهُ حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ فُلاَنٌ فَاشْتَرَاهُ فُلاَنٌ وَآخَرُ مَعَهُ طَعَامًا وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَسْكُنُ دَارَ فُلاَنٍ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَبَاعَهَا فُلاَنٌ حَنِثَ بِأَيِّ وَجْهٍ سَكَنَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ مَا كَانَتْ لِفُلاَنٍ لَمْ يَحْنَثْ إذَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُهَا فَانْهَدَمَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارٍ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الدَّارِ فِي مَوْضِعٍ فَحَوَّلَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَحْنَثَ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ رِدَاءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أَوْ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ حَلَفَ لاَ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ فائتزر بِهِ أَوْ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لُبْسٌ يَحْنَثُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَلاَ يَحْنَثُ إلَّا عَلَى نِيَّتِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَلْبَسُ ثَوْبَ رَجُلٍ مِنْ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ لَهُ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا لَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَخْرَجِ الْيَمِينِ ثُمَّ أُحْنِثُ صَاحِبَهَا أَوْ أَبَرُّهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ وَالْأَيْمَانَ بَعْدَهَا مُحْدَثَةٌ قَدْ يَخْرُجُ عَلَى مِثَالِهَا وَعَلَى خِلاَفِهَا فَأُحْنِثُهُ عَلَى مَخْرَجِ يَمِينِهِ، أَرَأَيْت رَجُلاً لَوْ كَانَ قَالَ: وَهَبْت لَهُ مَالِي فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَمَا يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَضْرِبْهُ؟ وَلَيْسَ يُشْبِهُ سَبَبَ مَا قَالَ؟ قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْتَ فُلاَنٍ فَدَخَلَ بَيْتًا يَسْكُنُهُ فُلاَنٌ بِكِرَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنَ فُلاَنٍ فَيَحْنَثُ وَلَوْ حُمِلَ فَأُدْخِلَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ تَرَاخَى أَوْ لَمْ يَتَرَاخَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت شَهْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ إنْ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُ عَلَى فُلاَنٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ بَيْتًا فَوَجَدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ حَنِثَ فِي قَوْلِ مَنْ يَحْنَثُ عَلَى غَيْرِ النِّيَّةِ وَلاَ يَرْفَعُ الْخَطَأَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: قَدْ سَوَّى الشَّافِعِيُّ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ مَنْ حَلَفَ فَفَعَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَهَلَكَ قَبْلَ غَدٍ لَمْ يَحْنَثْ لِلْإِكْرَاهِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} فَعَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُكْمِ وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يَغْلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ فَهُوَ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْإِكْرَاهِ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَمَاتَ قَبْلَ يَشَاءُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَنَّهُ لاَ حِنْثَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلاَنٌ فَمَاتَ فُلاَنٌ الَّذِي جَعَلَ الْمَشِيئَةَ إلَيْهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ فِي مَوْتِهِ مَا يَمْنَعُ إمْكَانَ بِرِّهِ وَأَصْلُ قَوْلِهِ: إنْ أَمْكَنَهُ الْبِرُّ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى فَاتَهُ الْإِمْكَانُ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَقَدْ قَالَ: لَوْ حَلَفَ لاَ يَدْخُلُ الدَّارَ إلَّا بِإِذْنِ فُلاَنٍ فَمَاتَ الَّذِي جَعَلَ الْإِذْنَ إلَيْهِ أَنَّهُ إنْ دَخَلَهَا حَنِثَ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَهَذَا وَذَاكَ سَوَاءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلاَلِ أَوْ إلَى رَأْسِ الْهِلاَلِ فَرَأَى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يُهِلُّ فِيهَا الْهِلاَلُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَقَدْ قَالَ فِي الَّذِي حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى رَمَضَانَ فَهَلْ إنَّهُ حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: هَذَا أَصَحُّ كَقَوْلِهِ: إلَى اللَّيْلِ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ حَنِثَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ إلَى حِينٍ فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مُدَّةِ الدُّنْيَا وَيَوْمٍ، وَالْفُتْيَا أَنْ يُقَالَ لَهُ: الْوَرَعُ لَك أَنْ تَقْضِيَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْحِينَ يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ حَلَفْت وَلاَ نُحْنِثُك أَبَدًا لِأَنَّا لاَ نَعْلَمُ لِلْحِينِ غَايَةً، وَكَذَلِكَ زَمَانٌ وَدَهْرٌ وَأَحْقَابٌ وَكُلُّ كَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ لَيْسَ لَهَا ظَاهِرٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَشْتَرِي فَأَمَرَ غَيْرَهُ أَوْ لاَ يُطَلِّقُ فَجَعَلَ طَلاَقَهَا إلَيْهَا فَطَلُقَتْ أَوْ لاَ يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لاَ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ حَلَفَ لاَ يَفْعَلُ فِعْلَيْنِ أَوْ لاَ يَكُونُ أَمْرَانِ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكُونَا جَمِيعًا وَحَتَّى يَأْكُلَ كُلَّ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لاَ أَشْرَبُ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَشْرَبَ مَاءَ الْإِدَاوَةِ كُلَّهُ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى شُرْبِ مَاءِ النَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوْ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ حَنِثَ إنْ شَرِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: مَنْ حَلَفَ عَلَى غَرِيمِهِ لاَ يُفَارِقُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَفَرَّ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَوْ قَالَ: لاَ أَفْتَرِقُ أَنَا وَأَنْتَ حَنِثَ، وَلَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ أَوْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِيمَا يَرَى فَوَجَدَ فِي دَنَانِيرِهِ زُجَاجًا أَوْ نُحَاسًا حَنِثَ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ وَالْخَطَأَ عَنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْمِدْهُ. قَالَ وَلَوْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كَانَ قِيمَةَ حَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَتَّى لاَ يَبْقَى عَلَيْك مِنْ حَقِّي شَيْءٌ فَلاَ يَحْنَثُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: لَيْسَ لِلْقِيمَةِ مَعْنًى؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ إنْ كَانَتْ عَلَى عَيْنِ الْحَقِّ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِئَ وَالْعَرْضُ غَيْرُ الْحَقِّ سَوَّى أَوْ لَمْ يُسَوِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: حَدُّ الْفِرَاقِ أَنْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي كَانَا فِيهِ أَوْ مَجْلِسِهِمَا. قَالَ وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ الْيَوْمَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ غَدًا غَيْرُ قَضَائِهِ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ لاَ يَخْرُجَ غَدًا حَتَّى أَقْضِيَك حَقَّك فَقَدْ بَرَّ وَهَكَذَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ رَبُّ الْحَقِّ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لاَ يَبْقَى عَلَيَّ غَدًا مِنْ حَقِّك شَيْءٌ فَيَبَرُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي أَوْ حَتَّى آذَنَ لَك فَهَذَا عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَإِذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَدْ بَرَّ وَلاَ يَحْنَثُ ثَانِيَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَهَذَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِرَجُلٍ فَغَابَ أَوْ مَاتَ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي حِلٍّ بَرِئَ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ فِي الْوَرَعِ لَوْ أَحْنَثَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَاصِيَةً لَهُ عِنْدَ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ مِنْ عَبِيدٍ عَتَقُوا عَلَيْهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ بِمَعْنًى وَدَاخِلٌ فِيهِ بِمَعْنًى وَهُوَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلاَ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَقِيقِهِ وَلَيْسَ كَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلاَ مُدَبَّرُهُ. وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فَلَمَّا مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلاَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ ثَانِيَةً، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ بِعْتُك فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خِيَارٍ فَهُوَ حُرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْته مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ وَتَفَرُّقُهُمَا بِالْأَبْدَانِ فَقَالَ: فَكَانَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ فَيُعْتَقُ بِالْحِنْثِ وَلَوْ قَالَ: إنْ زَوَّجْتُك أَوْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، فَزَوَّجَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَأَكَلَ رُءُوسَ الْحِيتَانِ أَوْ رُءُوسَ الطَّيْرِ أَوْ رُءُوسَ شَيْءٍ يُخَالِفُ رُءُوسَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ إنَّمَا هِيَ مَا وَصَفْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلاَدٌ لَهَا صَيْدٌ يَكْثُرُ كَمَا يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ فِي السُّوقِ وَتُمَيَّزُ رُءُوسُهَا فَيَحْنَثُ فِي رُءُوسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَهُوَ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالنَّعَامِ الَّذِي يُزَايِلُ بَائِضَهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ لَحْمٌ وَلاَ يَحْنَثُ فِي لَحْمِ الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَغْلَبِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أَوْ لاَ يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَّهُ فَشَرِبَهُ أَوْ لاَ يَشْرَبَ شَيْئًا فَذَاقَهُ فَدَخَلَ بَطْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ أَوْ بِالْعَصِيدَةِ أَوْ بِالسَّوِيقِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ لاَ يَكُونُ مَأْكُولاً إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُفْرَدًا. وَإِذَا حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ فَإِنْ أَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً أَوْ هَلَكَتْ مِنْهُ تَمْرَةٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَكَلَهَا وَالْوَرَعُ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ. وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَطَحَنَهَا أَوْ خَبَزَهَا أَوْ قَلاَهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قَمْحٍ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا وَلاَ شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ صَاحِبِهِ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يُكَلِّمُ رَجُلاً ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولاً فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلاَ يُبَيِّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلاَمِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا عِنْدِي بِهِ وَبِالْحَقِّ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {آيَتُك أَنْ لاَ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} إلَى قَوْلِهِ {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فَأَفْهَمَهُمْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَلاَمِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُحَرَّمَةٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَلَوْ كَتَبَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلاَمِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ الْهِجْرَةِ الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ كَلاَمًا لَخَرَجَ بِهِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتَفَهَّمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَرَى كَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ فَرَآهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ الْقَاضِي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُمْكِنَهُ فَيُفَرِّطَ وَإِنْ عُزِلَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَاضِيًا فَلاَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ خَشِيت أَنْ يَحْنَثَ إنْ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ. وَلَوْ حَلَفَ مَالَهُ مَالٌ وَلَهُ عَرَضٌ أَوْ دَيْنٌ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَحْنَثُ. قَالَ وَلَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهَا مَاسَّتْهُ كُلُّهَا بَرَّ وَإِنْ أَحَاطَ أَنَّهَا لَمْ تَمَاسَّهُ كُلُّهَا لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ شَكَّ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ وَيَحْنَثُ فِي الْوَرَعِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ} {وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأثكال النَّخْلِ فِي الزِّنَا} وَهَذَا شَيْءٌ مَجْمُوعٌ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا مَاسَّتْهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لِوَقْتٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلاَنٌ فَإِنْ مَاتَ أَوْ غُيِّبَ عَنَّا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ حَنِثَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَكَلاَمًا يَبَرُّ بِهِ شَكَّ فَكَيْفَ يَحْنَثُ فِي أَحَدِهِمَا وَلاَ يَحْنَثُ فِي الْآخَرِ؟ فَقِيَاسُ قَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لاَ يَحْنَثَ بِالشَّكِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا فَأَيُّ ضَرْبٍ ضَرَبَهُ إيَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ ضَارِبُهُ. وَلَوْ حَلَفَ لاَ يَهَبُ لَهُ هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ نَحَلَهُ أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ هِبَةٌ فَإِنْ أَسْكَنَهُ فَإِنَّمَا هِيَ عَارِيَّةٌ لَمْ يُمَلِّكْهُ إيَّاهَا فَمَتَى شَاءَ رَجَعَ فِيهَا وَكَذَلِكَ إنْ حَبَسَ عَلَيْهِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَرْكَبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ فَرَكِبَ دَابَّةَ الْعَبْدِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ إنَّمَا اسْمُهَا مُضَافٌ إلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَطَاءٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَقَالَ: مَنْ حَنِثَ فِي الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ عَطَاءٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لاَ تَكُونُ إلَّا مَا فَرَضَ اللَّهُ أَوْ تَبَرُّرًا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ إنْ شَفَانِي أَنْ أَحُجَّ نَذْرًا فَأَمَّا إنْ لَمْ أَقْضِك حَقَّك فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لاَ مَعَانِي النُّذُورِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ قُطِعَ بِأَنَّهُ قَوْلُ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقِيَاسُ وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ فَشَاءَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنَّمَا النَّذْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى مَعَانِي الْمُعَلَّقِ وَالشَّائِي غَيْرُ النَّاذِرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَزِمَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ رَكِبَ وَأَهْرَاقَ دَمًا احْتِيَاطًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ شَيْئًا سَقَطَ عَنْهُ وَلاَ يَمْشِي أَحَدٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَرْكَبَ وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ حَلَّ مَاشِيًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ مَاشِيًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ حَتَّى يَكُونَ بِرًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَشْيِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعِ التَّبَرُّرِ بِرٌّ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأُحِبُّ لَوْ نَذَرَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَمْشِيَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ يَجِبَ كَمَا يَبِينُ لِي أَنَّ وَاجِبًا الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْبِرَّ بِإِتْيَانِ بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضٌ وَالْبِرُّ بِإِتْيَانِ هَذَيْنِ نَافِلَةٌ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ مِصْرَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ بِمَكَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ بِغَيْرِهَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَهُ بِغَيْرِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَيْثُ نَذَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِمَسَاكِينِ ذَلِكَ الْبَلَدِ. وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَرَمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَةَ أَوْ مَرًّا أَوْ مِنًى أَوْ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَتَاعًا لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّقَهُ سِتْرًا عَلَى الْبَيْتِ أَوْ يَجْعَلَهُ فِي طِيبِ الْبَيْتِ جَعَلَهُ حَيْثُ نَوَاهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَا لاَ يُحْمَلُ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ بَاعَ ذَلِكَ وَأَهْدَى ثَمَنَهُ. وَمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا ثَنِيٌّ أَوْ ثَنِيَّةٌ، وَالْخَصِيُّ يُجْزِي وَإِذَا لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةً ثَنِيَّةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ تُجْزِي ضَحَايَا وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى بَدَنَةٍ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُجْزِئْهُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إلَّا بِقِيمَتِهَا. وَلَوْ نَذَرَ عَدَدَ صَوْمٍ صَامَهُ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا، وَلَوْ نَذَرَ صِيَامَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا صَامَهَا إلَّا رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ لِرَمَضَانَ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ نَذَرَ سَنَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا قَضَى هَذِهِ الْأَيَّامَ كُلَّهَا. وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ عَامِي هَذَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ أَوْ خَطَأُ عَدَدٍ أَوْ نِسْيَانٌ أَوْ تَوَانٍ قَضَاهُ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلاَنٌ فَقَدِمَ لَيْلاً فَلاَ صَوْمَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ لَوْ صَامَ صَبِيحَتَهُ، وَلَوْ قَدِمَ نَهَارًا هُوَ فِيهِ صَائِمٌ تَطَوُّعًا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ صَائِمًا عَنْ نَذْرِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ يَعْنِي أَنَّهُ لاَ صَوْمَ لِنَذْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا إلَّا بَعْدَ مَقْدِمِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَضَاؤُهُ عِنْدِي أَوْلَى بِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا أَمْكَنَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِعَجْزِهِ عَنْهُ بِمَرَضِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَالَ اللَّهُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلَمْ يَعْقِلْ فِيهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ، وَالنَّذْرُ عِنْدَهُ وَاجِبٌ فَقَضَاؤُهُ إذَا أَمْكَنَهُ وَإِنْ ذَهَبَ وَقْتُهُ وَاجِبٌ وَقَدْ قَطَعَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَصْبَحَ فِيهِ صَائِمًا مِنْ نَذْرٍ غَيْرِ هَذَا أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ لِصَوْمِهِ لِنَذْرِهِ وَيَعُودَ لِصَوْمِهِ لِقُدُومِ فُلاَنٍ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلاَنٌ أَبَدًا فَقَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَسْتَقْبِلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى أَوْ تَشْرِيقٍ فَلاَ يَصُومُهُ وَلاَ يَقْضِيهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله لاَ قَضَاءَ أَشْبَهَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَقْتٍ لِصَوْمٍ عِنْدَهُ لِفَرْضٍ وَلاَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهَا نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يَقْضِي نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَهُمَا وَقَضَى كُلَّ اثْنَيْنِ فِيهِمَا وَلاَ يُشْبِهُ شَهْرَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ لاَ بِشَيْءٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ النَّاذِرُ امْرَأَةً فَهِيَ كَالرَّجُلِ وَتَقْضِي كُلَّ مَا مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ حَيْضِهَا وَلَوْ قَالَتْ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَيَّامَ حَيْضِي فَلاَ يَلْزَمُهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا نَذَرَتْ مَعْصِيَةً. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ يَقْضِيَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِذَا نَذَرَ الرَّجُلُ صَوْمًا أَوْ صَلاَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَتَانِ وَمِنْ الصَّوْمِ يَوْمٌ. وَلَوْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَأَيُّ رَقَبَةٍ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: يَمِينِي فِي يَمِينِك، فَحَلَفَ فَالْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ دُونَ صَاحِبِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي الْمَشْيِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْجَوْزِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْحَسَنِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ أَصْلاً وَعَطَاءٌ وَشَرِيكٌ وَسَمِعْته يَقُولُ: ذَلِكَ وَذَكَرَ عَنْ اللَّيْثِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا سَعِيدًا فَإِنَّهُ قَالَ: لاَ كَفَّارَةَ. قَالَ الْمُزَنِيّ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَجَبِيِّ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَمٍّ لَهَا جَعَلَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ وَحَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِيمَنْ جَعَلَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ وَسُفْيَانَ يُفْتِيَانِ بِهِ. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَهُوَ قَوْلِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ لِلنَّاسِ لاَ يَكُونُ دُونَهُ حِجَابٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِكَثْرَةِ الْغَاشِيَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ بَيْنَ الْخُصُومِ فِي أَرْفَقِ الْأَمَاكِنِ بِهِ وَأَحْرَاهَا أَنْ لاَ تُسْرِعَ مَلاَلَتُهُ فِيهِ وَأَنَا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ أَكْرَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَعْقُولٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ وَلاَ يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ} أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لاَ يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَلاَ عَقْلُهُ، وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ أَوْ خُلُقُهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لاَ يَقْضِيَ حَتَّى يَذْهَبَ وَأَيُّ حَالٍ صَارَ إلَيْهِ فِيهَا سُكُونُ الطَّبِيعَةِ وَاجْتِمَاعُ الْعَقْلِ حَكَمَ، وَإِنْ غَيَّرَهُ مَرَضٌ أَوْ حُزْنٌ أَوْ فَرَحٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ مَلاَلَةٌ تَرَكَ وَأَكْرَهُ لَهُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ خَوْفَ الْمُحَابَاةِ بِالزِّيَادَةِ وَيَتَوَلَّاهُ لَهُ غَيْرُهُ. قَالَ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْوَلِيمَةِ إمَّا أَنْ يُجِيبَ كُلًّا وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ كُلًّا وَيَعْتَذِرَ وَيَسْأَلَهُمْ التَّحْلِيلَ وَيَعُودَ الْمَرْضَى وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَأْتِيَ مَقْدَمَ الْغَائِبِ، وَإِذَا بَانَ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لَدَدٌ نَهَاهُ فَإِنْ عَادَ زَجَرَهُ وَلاَ يَحْبِسُهُ وَلاَ يَضْرِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يَسْتَوْجِبُهُ وَيُشَاوِرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ لَغَنِيًّا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ وَلاَ يُشَاوِرُ إذَا نَزَلَ بِهِ الْمُشْكِلُ إلَّا عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَأَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْقِيَاسِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ وَلاَ يَقْبَلُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ كَعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ فِيهِ أَوْ بِدَلاَلَةٍ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُ وَجْهًا أَظْهَرَ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: فَأَمَّا أَنْ يُقَلِّدَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَيَجْمَعُ الْمُخْتَلِفِينَ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِتَقَصِّيهِ وَلِيَكْشِفَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ مَا إذَا عَقَلَ الْقِيَاسَ عَقْلُهُ وَإِذَا سَمِعَ الِاخْتِلاَفَ مَيَّزَهُ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ وَلاَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَقْضِيَهُ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْسِنَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُشَرِّعَ فِي الدِّينِ وَالْقِيَاسُ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فَذَلِكَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلاَفُهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُشْبِهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلٍ وَيُشْبِهَ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلٍ غَيْرِهِ فَيُشْبِهُهُ هَذَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَيُشْبِهُهُ الْآخَرُ بِأَصْلِ غَيْرِهِ وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ أَشْبَهَهُ أَحَدُهُمَا فِي خَصْلَتَيْنِ وَالْآخَرُ فِي خَصْلَةٍ أَلْحَقَهُ بِاَلَّذِي أَشْبَهَهُ فِي الْخَصْلَتَيْنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي دَاوُد وَسُلَيْمَانَ {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} قَالَ الْحَسَنُ: لَوْلاَ هَذِهِ الآيَةِ لَرَأَيْت أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمِدَ هَذَا لِصَوَابِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا يُثَابُ عَلَى الْآخَرِ فَلاَ يَكُونُ الثَّوَابُ فِيمَا لاَ يَسَعُ وَلاَ فِي الْخَطَأِ الْمَوْضُوعِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: أَنَا أَعْرِفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: لاَ يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَى قَصْدِ الثَّوَابِ وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْحَقُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْحُكَّامِ فَقَضَى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَأَى أَنَّ اجْتِهَادَهُ خَطَأٌ أَوْ وَرَدَ عَلَى قَاضٍ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ فَمَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ لَمْ يَرُدَّهُ وَحَكَمَ فِيمَا اسْتَأْنَفَ بِاَلَّذِي هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَعَقَّبَ حُكْمَ مَنْ قَبْلَهُ وَإِنْ تَظَلَّمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ نَظَرَ فِيهِ فَرَدَّهُ أَوْ أَنْفَذَهُ عَلَى مَا وَصَفْت. وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ لاَ يَعْرِفُ لِسَانَهُ لَمْ تُقْبَلْ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ، وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي كَتَبَ حَلَبَةَ كُلِّ رَجُلٍ وَرَفَعَ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ لَهُ أَوْ وِلاَيَةٌ إنْ كَانَتْ لَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ صِنَاعَتِهِ وَكُنْيَتِهِ إنْ كَانَتْ لَهُ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَعَنْ مَوْضِعِ بِيَاعَتِهِ وَمُصَلَّاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَأُحِبُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُدَّةُ عُقُولٍ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ وَمَنْ فِيهِ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ، وَإِنْ جَمَعُوا الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحَيْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ الْحَيْفِ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ أَوْ الْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ لاَ يتغفلون بِأَنْ يَسْأَلُوا الرَّجُلَ عَنْ عَدُوِّهِ فَيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ جَرْحًا وَيَسْأَلُوهُ عَنْ صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ تَعْدِيلاً. وَيَحْرِصَ عَلَى أَنْ لاَ يُعَرَّفَ لَهُ صَاحِبُ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ لَهُ وَأَنْ يَكْتُبَ لِأَصْحَابِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَسْمَاءَ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ وَمَبْلَغَ مَا شَهِدُوا فِيهِ ثُمَّ لاَ يَسْأَلُونَ أَحَدًا حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِمَنْ شَهِدُوا لَهُ وَعَلَيْهِ وَبِقَدْرِ مَا شَهِدُوا فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ قَدْ يَعْرِفُ مَا لاَ يَعْرِفُ الْحَاكِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فِيهِ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الْيَسِيرِ وَيَقِفُ فِي الْكَثِيرِ، وَلاَ يَقْبَلُ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ وَلاَ تَعْدِيلَهُ وَلاَ تَجْرِيحَهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَيُخْفِي عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ مَنْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ أَوْ التَّجْرِيحِ قَبِلَهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مَعَ غَيْرِهِمَا وَإِنْ عُدِلَ رَجُلٌ بِشَاهِدَيْنِ وَجَرَّحَ بِآخَرَيْنِ كَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ عَلَى الْبَاطِنِ وَلاَ يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ بِالسَّمَاعِ وَلاَ يَقْبَلُهُ مِنْ فَقِيهِ دِينٍ عَاقِلٍ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَبِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ بِالْجَرْحِ عِنْدَهُمْ أَوْلَى وَأَكْثَرُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يَعُدَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لاَ يَكُونُ جَرْحًا وَلاَ يَقْبَلُ التَّعْدِيلَ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ: عَدَلَ عَلَيَّ وَلِيٌّ ثُمَّ لاَ يَقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَسْأَلُ عَمَّنْ جَهِلَ عَدْلَهُ سِرًّا فَإِذَا عَدَلَ سَأَلَ عَنْ تَعْدِيلِهِ عَلاَنِيَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ سِرًّا هُوَ هَذَا لاَ يُوَافِقُ اسْمٌ اسْمًا وَلاَ نَسَبٌ نَسَبًا. وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا حَتَّى يَجْمَعَ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً عَاقِلاً وَيَحْرِصَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا لاَ يُؤْتَى مِنْ جَهَالَةٍ نَزِهًا بَعِيدًا مِنْ الطَّبْعِ. وَالْقَاسِمُ فِي صِفَةِ الْكَاتِبِ عَالِمٌ بِالْحِسَابِ لاَ يُخْدَعُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَتَوَلَّى الْقَاضِي ضَمَّ الشَّهَادَاتِ وَرَفْعَهَا وَلاَ يَغِيبُ ذَلِكَ عَنْهُ وَيَرْفَعُهَا فِي قِمْطَرٍ وَيَضُمُّ الشَّهَادَاتِ وَحِجَجِ الرَّجُلَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ مُتَرْجَمَةٍ بِأَسْمَائِهِمَا وَالشَّهْرِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْرَفَ لَهُ إذَا طَلَبَهَا فَإِذَا مَضَتْ سَنَةٌ عَزَلَهَا وَكَتَبَ خُصُومَ سَنَةِ كَذَا حَتَّى تَكُونَ كُلُّ سَنَةٍ مَفْرُوزَةً وَكُلُّ شَهْرٍ مَفْرُوزًا وَلاَ يَفْتَحُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الشَّهَادَاتِ إلَّا بَعْدَ نَظَرِهِ إلَى خَاتَمِهِ أَوْ عَلاَمَتِهِ وَأَنْ يَتْرُكَ فِي يَدَيْ الْمَشْهُودِ لَهُ نُسْخَةً بِتِلْكَ الشَّهَادَاتِ وَلاَ يَخْتِمَهَا وَلاَ يَقْبَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ مِمَّا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إلَّا مَا حَفِظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْرَحُ فِي الدِّيوَانِ وَيُشْبِهُ الْخَطُّ الْخَطَّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ أَنَّهُ حَكَمَ بِحُكْمِ فَلاَ يُبْطِلُهُ وَلاَ يُحِقُّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ غَيْرِهِ أَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مِنْهُ مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَيَقْبَلُ كُلُّ كِتَابٍ لِقَاضٍ عَدْلٍ وَلاَ يَقْبَلُهُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَحَتَّى يَفْتَحَهُ وَيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمَا فَيَشْهَدَا أَنَّ الْقَاضِيَ أَشْهَدَهُمَا عَلَى مَا فِيهِ وَأَنَّهُ قَرَأَهُ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: اشْهَدَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلاَنٍ. قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِنَسْخِهِ كِتَابَةً فِي أَيْدِيهِمْ وَيُوقِعُوا شَهَادَاتِهِمْ فِيهِ فَإِنْ انْكَسَرَ خَاتَمُهُ أَوْ انمحى كِتَابَهُ شَهِدُوا بِعِلْمِهِمْ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَنَقْبَلُهُ كَمَا نَقْبَلُ حُكْمَهُ، وَلَوْ تَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ وَقَطَعَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ قَبِلَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ بِهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ هُوَ فَإِذَا رَفَعَ فِي نَسَبِهِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَالْقَبِيلَةِ وَالصِّنَاعَةِ أَخَذَ بِذَلِكَ الْحَقَّ، وَإِنْ وَافَقَ الِاسْمَ وَالْقَبِيلَةَ وَالنَّسَبَ وَالصِّنَاعَةَ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَانَ بِشَيْءٍ لاَ يُوَافِقُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْخَلِيفَةِ وَالْخَلِيفَةِ إلَى الْقَاضِي وَالْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ وَالْأَمِيرِ إلَى الْقَاضِي سَوَاءٌ لاَ يُقْبَلُ إلَّا كَمَا وَصَفْت مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَ أَجْرَ الْقَسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ حُكَّامٌ وَإِنْ لَمْ يُعْطُوا خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ طَلَبَ الْقَسَمَ وَاسْتَأْجَرَهُمْ طَالِبُ الْقَسَمِ بِمَا شَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ سَمَّوْا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ وَإِنْ سَمَّوْهُ عَلَى الْكُلِّ فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَإِذَا تَدَاعَوْا إلَى الْقَسَمِ وَأَبَى شُرَكَاؤُهُمْ فَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَا يَصِيرُ لَهُ مَقْسُومًا أَجْبَرْتهمْ عَلَى الْقَسَمِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْبَاقُونَ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ فَأَقُولُ لِمَنْ كَرِهَ: إنْ شِئْتُمْ جَمَعْتُمْ حَقَّكُمْ فَكَانَتْ مُشَاعَةً بَيْنَكُمْ لِتَنْتَفِعُوا بِهَا. وَيَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُحْصِيَ أَهْلَ الْقَسَمِ وَمَبْلَغَ حُقُوقِهِمْ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ قَسَمَهُ عَلَى أَقَلِّ السَّهْمَانِ وَهُوَ السُّدُسُ فِيهَا فَيَجْعَلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ سَهْمًا وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةً ثُمَّ يَقْسِمُ الدَّارَ عَلَى سِتَّةِ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ أَهْلِ السَّهْمَانِ فِي رِقَاعِ قَرَاطِيسَ صِغَارٍ ثُمَّ يُدْرِجُهَا فِي بُنْدُقِ طِينٍ يَدُورُ وَإِذَا اسْتَوَتْ أَلْقَاهَا فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يُحْضِرْ الْبُنْدُقَةَ وَلاَ الْكِتَابَ ثُمَّ سَمَّى السَّهْمَيْنِ أَوَّلاً وَثَانِيًا وَثَالِثًا ثُمَّ قَالَ: أَخْرِجْ عَلَى الْأَوَّلِ بُنْدُقَةً وَاحِدَةً فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَضَّهَا فَإِذَا خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِهَا جَعَلَ لَهُ السَّهْمَ الْأَوَّلَ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّدُسِ فَهُوَ لَهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثُّلُثِ فَهُوَ لَهُ وَالسَّهْمُ الَّذِي يَلِيهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النِّصْفِ فَهُوَ لَهُ وَالسَّهْمَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِهِ ثُمَّ قِيلَ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الَّذِي يَلِي مَا خَرَجَ فَإِذَا خَرَجَ فِيهَا اسْمُ رَجُلٍ فَهُوَ لَهُ كَمَا وَصَفْت حَتَّى تَنْفُذَ السَّهْمَانِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْقَسَمِ رَدٌّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْضِعَ سَهْمِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِذَا عَلِمَهُ كَمَا يَعْلَمُ الْبُيُوعَ الَّتِي تَجُوزُ أَجَزْته لاَ بِالْقُرْعَةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلاً وَلِلْآخَرِ عُلُوَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُفْلُهُ وَعُلُوُّهُ لِوَاحِدٍ. وَإِذَا ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا رَدَّ الْقَسَمَ عَنْهُ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ أَوْ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ فَبِيعَ بَعْضُهَا انْتَقَضَ الْقَسَمُ وَيُقَالُ لَهُمْ فِي الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ: إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُعْطُوا أَهْلَ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ أَنْفَذْنَا الْقَسَمَ بَيْنَكُمْ وَالِانْقِضَاءَ عَلَيْكُمْ وَلاَ يُقْسَمُ صِنْفٌ مِنْ الْمَالِ مَعَ غَيْرِهِ وَلاَ عِنَبٌ مَعَ نَخْلٍ وَلاَ يَصِحُّ بَعْلٌ مَضْمُومٌ إلَى عَيْنٍ وَلاَ عَيْنٌ مَضْمُومَةٌ إلَى بَعْلٍ وَلاَ بَعْلٌ إلَى نَخْلٍ يُشْرَبُ بِنَهْرٍ مَأْمُونِ الِانْقِطَاعِ وَتُقْسَمُ الْأَرْضُونَ وَالثِّيَابُ وَالطَّعَامُ وَكُلُّ مَا احْتَمَلَ الْقَسَمَ. وَإِذَا طَلَبُوا أَنْ يَقْسِمَ دَارًا فِي أَيْدِيهِمْ قُلْت: ثَبِّتُوا عَلَى أُصُولِ حُقُوقِكُمْ لِأَنِّي لَوْ قَسَمْتهَا بِقَوْلِكُمْ ثُمَّ رَفَعْت إلَى حَاكِمٍ كَانَ شَبِيهًا أَنْ يَجْعَلَهَا لَكُمْ وَلَعَلَّهَا لِغَيْرِكُمْ، وَقَدْ قِيلَ: يَقْسِمُ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا عَلَى إقْرَارِهِمْ وَلاَ يُعْجِبُنِي لِمَا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْمُدْخَلِ عَلَيْهِ لِلْحُكْمِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْفُذَ حُجَّتُهُ وَلاَ يَنْهَرَهُمَا وَلاَ يَتَعَنَّتَ شَاهِدًا وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَ وَاحِدًا مِنْهُمَا حُجَّةً وَلاَ شَاهِدًا شَهَادَةً وَلاَ بَأْسَ إذَا جَلَسَ أَنْ يَقُولَ: تَكَلَّمَا أَوْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ الطَّالِبُ فَإِذَا أَنْفَذَ حُجَّتَهُ تَكَلَّمَ الْمَطْلُوبُ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُضَيِّفَ الْخَصْمَ دُونَ خَصْمِهِ وَلاَ يَقْبَلَ مِنْهُ هَدِيَّةً، وَإِنْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْفَدَ خُصُومَتُهُ وَإِذَا حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلاً فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمْ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ يَوْمًا بِقَدْرِ مَا لاَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَثُرُوا حَتَّى سَاوَوْا أَهْلَ الْبَلَدِ أَسَّاهُمْ بِهِمْ وَلِكُلٍّ حَقٌّ وَلاَ يُقَدِّمَ رَجُلاً جَاءَ قَبْلَهُ رَجُلٌ، وَلاَ يَسْمَعَ بَيِّنَةً فِي مَجْلِسٍ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَرَغَ أَقَامَهُ وَدَعَا الَّذِي بَعْدَهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ رِزْقِ الْقَاضِي شَيْئًا لِقَرَاطِيسِهِ وَلاَ يُكَلِّفَهُ الطَّالِبَ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ لِلطَّالِبِ: إنْ شِئْت بِصَحِيفَةٍ فِيهَا شَهَادَةُ شَاهِدَيْك وَكِتَابُ خُصُومَتِك وَلاَ أُكْرِهُك وَلاَ أَقْبَلُ أَنْ يَشْهَدَ لَك شَاهِدٌ بِلاَ كِتَابٍ وَأَنْسَى شَهَادَتَهُ فَإِنْ قَبِلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ مَحْضَرِ خَصْمٍ فَلاَ بَأْسَ وَيَنْبَغِي إذَا حَضَرَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ مَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ وَيَنْسَخَهُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَيَطْرُدَهُ جَرْحَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ رَجُلٍ بِإِقْرَارِهِ أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ بِزُورٍ عَزَّرَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَشَهَّرَ أَمْرَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَّفَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قَبِيلٍ وَقَّفَهُ فِي قَبِيلِهِ أَوْ فِي سُوقِهِ وَقَالَ: إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْخَصْمِ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَالَ: فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَشَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَقَطَعَ بِأَنَّ سَمَاعَهُ الْإِقْرَارَ مِنْهُ أَثْبَتُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَهَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ أَقْضِي عَلَيْهِ بِعِلْمِي وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ وَبِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ النُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ قَالَ: وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذْ وَلَّى الْقَضَاءَ رَجُلاً أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ رَأَى فِي الطَّرَفِ مِنْ أَطْرَافِهِ فَيَجُوزُ حُكْمُهُ، وَلَوْ عُزِلَ فَقَالَ: قَدْ كُنْت قَضَيْتُ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِشُهُودٍ وَكُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَمَنْ لاَ تَجُوزُ لَهُ شَهَادَتُهُ رَدَّ حُكْمَهُ.
مُخْتَصَرٌ مِنْ الْجَامِعِ مِنْ اخْتِلاَفِ الْحُكَّامِ وَالشَّهَادَاتِ وَمِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَمِنْ مَسَائِلَ شَتَّى سَمِعْتهَا مِنْهُ لَفْظًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا تَرْكُهُ وَالْآخَرَ حَتْمًا يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ بِالْإِشْهَادِ، وَقَالَ فِيهَا {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى دَلاَلَةٌ عَلَى الْحَضِّ لِمَا فِي الْإِشْهَادِ مِنْ مَنْعِ التَّظَالُمِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِالنِّسْيَانِ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ بَرَاءَاتِ الذِّمَمِ بَعْدَ الْمَوْتِ لاَ غَيْرُ وَكُلُّ أَمْرٍ نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ الْخَيْرُ الَّذِي لاَ يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ وَقَدْ حُفِظَ {عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَايَعَ أَعْرَابِيًّا فَرَسًا فَجَحَدَهُ بِأَمْرِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إشْهَادٌ} فَلَوْ كَانَ حَتْمًا مَا تَرَكَهُ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَدَلَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} {وَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ نَعَمْ} وَجَلَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ثَلاَثَةً لَمَّا لَمْ يُقِمْ الرَّابِعُ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْإِمْسَاكِ وَالْفِرَاقِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ وَدَلَّ عَلَى مَا دَلَّ قَبْلَهُ مِنْ نَفْيِ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ إلَّا رِجَالٌ لاَ نِسَاءَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَحْتَمِلُ إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شُهُودِ الزِّنَا وَلاَ الْفِرَاقِ وَلاَ الرَّجْعَةِ امْرَأَةً وَوَجَدْنَا شُهُودَ الزِّنَا يَشْهَدُونَ عَلَى حَدٍّ لاَ مَالٍ، وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ تَحْرِيمٌ بَعْدَ تَحْلِيلٍ وَتَثْبِيتُ تَحْلِيلٍ لاَ مَالَ وَالْوَصِيَّةُ إلَى الْمُوصَى إلَيْهِ قِيَامٌ بِمَا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ لاَ أَنَّ لَهُ مَالاً وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الزِّنَا إلَّا الرِّجَالُ وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ وَلاَ فِي الطَّلاَقِ وَلاَ فِي الرَّجْعَةِ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ، وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ كَالدَّلاَلَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِأَنْ يُصَارَ إلَيْهِ وَيُقَاسَ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَمَا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ مَا لاَ جَازَتْ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الرِّجَالُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} وَقَالَ {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ حَيْثُ يُجَزْنَ إلَّا مَعَ الرَّجُلِ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَتَانِ فَصَاعِدًا وَأَصْلُ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَصَرَ بِهِنَّ عَنْ أَشْيَاءَ بَلَغَهَا الرِّجَالُ أَنَّهُمْ جُعِلُوا قَوَّامِينَ عَلَيْهِنَّ وَحُكَّامًا وَمُجَاهِدِينَ وَأَنَّ لَهُمْ السَّهْمَيْنِ مِنْ الْغَنِيمَةِ دُونَهُنَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَالْأَصْلُ أَنْ لاَ يُجَزْنَ فَإِذَا أُجِزْنَ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَعْدُ بِهِنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَكَيْفَ أَجَازَهُنَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَرَدَّهُنَّ فِي الْحُدُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَفِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ يُجَزْنَ عَلَى الزِّنَا وَلَمْ يَسْتَبِنْ فِي الْإِعْوَازِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لاَ يُجَزْنَ فِي الْوَصِيَّةِ إذْ لَمْ يَسْتَبِنْ فِي الْإِعْوَازِ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ حَلَفَ مَعَهُنَّ وَلَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا إجَازَةُ النِّسَاءِ بِغَيْرِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فَيُعْطِيَ بِهِنَّ حَقًّا فَإِنْ قَالَ: إنَّهُمَا مَعَ يَمِينِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لاَ يُجِيزَهُمَا مَعَ يَمِينِ امْرَأَةٍ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَكَانَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَدَدَ الشُّهُودِ فَكَانَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلاَقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت. قَالَ وَلاَ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَيَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّرَائِرَ، فَقَالَ {مَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلاَ يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} فَلَوْ شَهِدَا بِزُورٍ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ لَهُ حَلاَلاً غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَيُحَدَّا وَيَلْزَمُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فُرْقَتَهُ فُرْقَةٌ تُحَرَّمُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ: لَوْ شَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا فَأَبَاحَ لَهُ الْحَاكِمُ دَمَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمَهُ وَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالْوِلاَدَةُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيهِ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ يَكُونُ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ عُدُولٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ النِّسَاءَ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُمَا فِيهِ دَلَّ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- إذْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ أَنْ لاَ يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لِمَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الْوِلاَدَةِ كَمَا يُجِيزُ الْخَبَرَ بِهَا لاَ مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَةِ وَأَيْنَ الْخَبَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ أَتَقْبَلُ امْرَأَةً عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ؟ قَالَ: لاَ، قُلْت: فَتُقْبَلُ فِي الْخَبَرِ أَخْبَرَنَا فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْخَبَرُ هُوَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، وَالْعَامَّةُ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ حَرَامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالشَّهَادَةُ مَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْهُ خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا نُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت: أَفَتَرَى هَذَا مُشْبِهًا لِهَذَا؟ قَالَ: أَمَّا فِي هَذَا فَلاَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلاَ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا فِي الْحَرَمَيْنِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالتَّوْبَةُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذْنَبَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ كَمَا تَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ عَدْلاً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَحَتَّى يَحْسُنَ حَالُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَذْفِ لاَ تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لاََخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك أَوْ قَالَ: إنْ تُبْتَ قُبِلَتْ شَهَادَتُك. قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ كُلُّنَا نَقُولُهُ قُلْت: مَنْ؟ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلاَ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ شَرٌّ مِنْهُ حِينَ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا فَكَيْفَ تَرُدُّونَهَا فِي أَحْسَنِ حَالاَتِهِ وَتَقْبَلُونَهَا فِي شَرِّ حَالاَتِهِ؟ وَإِذَا قَبِلْتُمْ تَوْبَةَ الْكَافِرِ وَالْقَاتِلِ عَمْدًا كَيْفَ لاَ تَقْبَلُونَ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ وَهُوَ أَيْسَرُ ذَنْبًا؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} وَقَالَ {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قَالَ: فَالْعِلْمُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا مَا عَايَنَهُ فَيَشْهَدُ بِهِ وَمِنْهَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا أَثْبَتَهُ سَمْعًا مَعَ إثْبَاتِ بَصَرٍ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ فَبِذَلِكَ قُلْنَا: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَعْمَى؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ شَيْئًا مُعَايَنَةً وَسَمْعًا وَنَسَبًا ثُمَّ عَمِيَ فَيَجُوزُ وَلاَ عِلَّةَ فِي رَدِّهِ. قَالَ وَالشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكِ الرَّجُلِ الدَّارَ وَالثَّوْبَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ وَلاَ يَرَى مُنَازِعًا فِي ذَلِكَ فَتَثْبُتُ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقَلْبِ فَتُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّسَبِ إذَا سَمِعَهُ يَنْسُبُهُ زَمَانًا وَسَمِعَ غَيْرَهُ يَنْسُبُهُ إلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ دَافِعًا وَلاَ دَلاَلَةً يَرْتَابُ بِهَا وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَى عَيْنِ الْمَرْأَةِ وَنَسَبِهَا إذَا تَظَاهَرَتْ لَهُ الْأَخْبَارُ مِمَّنْ يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا فُلاَنَةُ وَرَآهَا مَرَّةً وَهَذَا كُلُّهُ شَهَادَةٌ بِعِلْمٍ كَمَا وَصَفْنَا وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى مَا يَعْلَمُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ فِيمَا أَخَذَ بِهِ مَعَ شَاهِدِهِ وَفِي رَدِّ يَمِينٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لِمَنْ قَالَ: لاَ أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا حِينَ عَلِمَ حَتَّى يُعَايِنَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَوْمَ يُؤَدِّيَهَا عَلَيْهِ فَأَنْتَ تُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَصِيرِ عَلَى مَيِّتٍ وَعَلَى غَائِبٍ فِي حَالٍ وَهَذَا نَظِيرُ مَا أَنْكَرْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ قَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ لاَ تُكْتَمُ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يُحَابَى بِهَا أَحَدٌ وَلاَ يُمْنَعُهَا أَحَدٌ ثُمَّ تَتَفَرَّعُ الشَّهَادَاتُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضِرَارًا وَفَرْضُ الْقِيَامِ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَالْجَنَائِزِ وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَلَمْ أَحْفَظْ خِلاَفَ مَا قُلْت عَنْ أَحَدٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} قَالَ: فَكَانَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْمُسْلِمُونَ الْمَرْضِيُّونَ وَقَوْلُهُ {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} يَدُلُّ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَإِنْ قَالَ: أَجَازَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا. قَالَ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ وَلاَ كَافِرٍ وَلاَ صَبِيٍّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَمَالِيكَ يَغْلِبُهُمْ مَنْ يَمْلِكُهُمْ عَلَى أُمُورِهِمْ وَأَنَّ الصِّبْيَانَ لاَ فَرَائِضَ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ يَجِبُ بِقَوْلِهِمْ فَرْضٌ وَالْمَعْرُوفُونَ بِالْكَذِبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَكَيْفَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِينَ مَعَ كِذْبِهِمْ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} وَمِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ} وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشُرَيْحٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: فَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَالَ عَمْرٌو: وَهُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ فِي الْأَمْوَالِ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ فِي الدَّيْنِ وَالدَّيْنُ مَالٌ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُقْضَى بِهَا فِي غَيْرِ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِثْلِ مَعْنَاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَالْبَيِّنَةُ فِي دَلاَلَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيِّنَتَانِ بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ هِيَ بِعَدَدِ شُهُودٍ لاَ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا وَبَيِّنَةٌ نَاقِصَةُ الْعَدَدِ فِي الْمَالِ يَحْلِفُ مُقِيمُهَا مَعَهَا. قَالَ فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ يَتَحَوَّلُ إلَى مَالِكٍ مِنْ مَالِكٍ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ مِثْلُهُ أَوْ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ قَضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ بِهِ مَالٌ مِنْ جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ لاَ قِصَاصَ فِيهِ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْمَالَ. وَلَوْ أَتَى قَوْمٌ بِشَاهِدٍ أَنَّ لِأَبِيهِمْ عَلَى فُلاَنٍ حَقًّا أَوْ أَنَّ فُلاَنًا قَدْ أَوْصَى لَهُمْ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ مَعَ شَاهِدِهِ اسْتَحَقَّ مُوَرِّثَهُ أَوْ وَصِيَّتَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ وَقَفَ حَقُّهُ حَتَّى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ وَلاَ يَسْتَحِقُّ أَخٌ بِيَمِينِ أَخِيهِ وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلاَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَعْنَى الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانُوا أَوْلَى بِمَالِ مَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَيْسَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَلاَ يَلْزَمُهُمْ مَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مِنْ نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ سِوَى مَالَهُ الَّذِي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ: احْلِفْ عَلَيْهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الظَّاهِرَ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ قَالَ: وَإِذَا حَلَفَ الْوَرَثَةُ فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ يُسَاوِي مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّ وَلاَ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ بِمَالٍ كَرَجُلٍ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ كُنْت غَصَبْت فُلاَنًا هَذَا الْعَبْدَ فَيَشْهَدُ لَهُ عَلَيْهِ بِغَصْبِهِ شَاهِدٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْغَصْبَ، وَلاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ طَلاَقٌ وَلاَ عِتْقٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحِنْثِ غَيْرُ حُكْمِ الْمَالِ. قَالَ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى جَارِيَةٍ أَنَّهَا لَهُ وَابْنُهَا وَلَدٌ مِنْهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ وَلاَ يُقْضَى لَهُ بِالِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَأْخُذُهَا وَوَلَدَهَا وَيَكُونُ ابْنُهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي لَمْ يَخْتَلِفْ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى عَبْدٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ يَسْتَرِقُّهُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ هَذَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَفَ وَأَخَذَهُ وَكَانَ مَوْلًى لَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: فَهُوَ لاَ يَأْخُذُهُ مَوْلاَهُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ كَمَا أَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ ابْنَهُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فِي الْمَوْلَى لَزِمَهُ فِي الِابْنِ. قَالَ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّارِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلاَدِهِمْ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَصَارَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا فَإِنْ حَلَفُوا مَعًا خَرَجَتْ الدَّارُ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا إلَى مَنْ جُعِلَتْ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَضَى الْحُكْمُ فِيهَا لَهُمْ، فَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتُوا قَامَ مَقَامَ الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا وَاحِدٌ فَنَصِيبُهُ مِنْهَا وَهُوَ الثُّلُثُ صَدَقَةٌ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ، ثُمَّ نَصِيبُهُ عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَخَوَيْهِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِينَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ: نَحْنُ نَحْلِفُ عَلَى مَا أَبَى يَحْلِفُ عَلَيْهِ الِاثْنَانِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَهُمْ إلَّا مَا كَانَ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُمْ. وَالْآخَرُ: أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَمْلِكُونَ إذَا حَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ مِلْكًا إذَا مَاتَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ أَقُولُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ قَالَ: وَعَلَى أَوْلاَدِهِمْ وَأَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، قَالَ: فَإِذَا حَدَثَ وَلَدٌ نَقَصَ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَبْسِ وَيُوقَفُ حَقُّ الْمَوْلُودِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ فَيَأْخُذَ أَوْ يَدَعَ فَيُبْطِلَ حَقَّهُ وَيَرُدَّ كِرَاءَ مَا وُقِفَ لَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى الَّذِينَ انْتَقَصُوا مِنْ أَجْلِهِ حُقُوقَهُمْ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْمُنْتَقِصِ حُقُوقَهُمْ أَحَدٌ فِي نِصْفِ عُمُرِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ رَدَّ حِصَّةَ الْمُوقِفِ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الْحَبْسِ، وَأَعْطَى وَرَثَةَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِمَّا رَدَّ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُحْبِسَ أَزَالَ مِلْكَ رَقَبَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحْبَسُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ لاَ رَقَبَتَهُ كَمَا أَزَالَ الْمُعْتِقُ مِلْكَهُ عَنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُعْتَقُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ لاَ رَقَبَتَهُ وَهُوَ لاَ يُجِيزُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْحَالِفُ فَكَيْفَ يُخْرِجُ رَقَبَةَ مِلْكِ رَجُلٍ بِيَمِينِ مَنْ لاَ يَمْلِكُ تِلْكَ الرَّقَبَةَ وَهُوَ لاَ يُجِيزُ يَمِينَ الْعَبْدِ مَعَ شَاهِدِهِ بِأَنَّ مَوْلاَهُ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا كَانَ السَّيِّدُ يَمْلِكُهُ مِنْ رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنْ لاَ يُجِيزَ يَمِينَ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ فِي رَقَبَتِهِ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا كَانَ الْمُحْبِسُ يَمْلِكُهُ مِنْ رَقَبَتِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَإِذَا لَمْ تَزُلْ رَقَبَةَ الْحَبْسِ بِيَمِينِهِ بَطَلَ الْحَبْسُ مِنْ أَصْلِهِ وَهَذَا عِنْدِي قِيَاسُ قَوْلِهِ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي وَصَفْت، وَلَوْ جَازَ الْحَبْسُ عَلَى مَا وَصَفَ الشَّافِعِيُّ مَا جَازَ أَنْ يَقْرَأَ أَهْلُهُ أَنَّ لَهُمْ شَرِيكًا وَيُنْكِرَ الشَّرِيكُ الْحَبْسَ فَيَأْخُذُونَ حَقَّهُ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُمْ، فَأَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَحْلِفَ لَهُ وَوَارِثُهُ إنْ مَاتَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ حَقٍّ أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ ذَلِكَ حَرَامٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَقَدْ أَقَمْتُمْ الْيَمِينَ مَقَامَ شَاهِدٍ قُلْت: وَإِنْ أَعْطَيْت بِهَا كَمَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى شَاهِدٍ وَأَنْتَ تُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِشَاهِدَيْنِ وَبِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَتُعْطِي الْمُدَّعِيَ حَقَّهُ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ كَمَا تُعْطِيهِ بِشَاهِدَيْنِ أَفَمَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى شَاهِدَيْنِ؟ قَالَ: فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا مَيِّتٌ أَوْ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ صَغِيرٌ وَهُوَ إنْ حَلَفَ حَلَفَ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ قُلْت: فَأَنْتَ تُجِيزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلاَنًا ابْنَ فُلاَنٍ وَأَبُوهُ غَائِبٌ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ، وَيَحْلِفُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَشْرِقِيًّا اشْتَرَى عَبْدًا ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ مَغْرِبِيًّا وُلِدَ قَبْلَ جَدِّهِ فَبَاعَهُ فَأَبِقَ أَنَّك تُحَلِّفُهُ لَقَدْ بَاعَهُ بَرِيئًا مِنْ الْإِبَاقِ عَلَى الْبَتِّ قَالَ: مَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْ هَذَا غَيْرَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهَا قُلْت: فَقَدْ قَضَى بِهَا حِينَ وُلِّيَ أَرَأَيْت مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ مِنْ إنْكَارِهِ عَلَى مَعْقِلٍ حَدِيثَ {بِرْوَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لَهَا الْمَهْرَ وَالْمِيرَاثَ} وَرَدَّ حَدِيثَهُ وَمَعَ عَلِيٍّ زَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ فَهَلْ رَدَدْت شَيْئًا بِالْإِنْكَارِ فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِإِنْكَارِ الزُّهْرِيِّ وَقُلْت لَهُ: وَكَيْفَ حَكَمْت بِشَهَادَةِ قَابِلَةٍ فِي الِاسْتِهْلاَلِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ الرِّجَالُ أَمْ كَيْفَ حَكَمْت عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِدِيَةِ الْمَوْجُودِ قَتِيلاً فِي مَحَلَّتِهِمْ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَزَعَمْت أَنَّ الْقُرْآنَ يُحَرِّمُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْت أَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ فَخَالَفْت فِي جُمْلَةِ قَوْلِك الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك أَهْلُ الْمَحَلَّةِ: أَتَدَّعِي عَلَيْنَا فَأَحْلِفْ جَمِيعَنَا وَأَبْرِئْنَا؟ قَالَ: لاَ أُحَلِّفُهُمْ إذَا جَاوَزُوا خَمْسِينَ رَجُلاً وَلاَ أُبَرِّئُهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَأُغَرِّمُهُمْ قُلْت: فَكَيْفَ جَازَ لَك هَذَا قَالَ: رَوَيْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقُلْت: فَإِنْ قِيلَ لَك: لاَ يَجُوزُ عَلَى عُمَرَ أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَالَ عُمَرُ نَفْسُهُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لاَ يَجُوزُ أَنْ أَتَّهِمَ مَنْ أَثِقُ بِهِ وَلَكِنْ أَقُولُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلُ عُمَرَ عَلَى الْخَاصِّ: قُلْت: فَلِمَ لَمْ يَجُزْ لَنَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَجَزْت لِنَفْسِك مِنْ عُمَرَ؟ قُلْت: وَقَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فَجَلَبَهُمْ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ مَسِيرَةُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فَقَالُوا: مَا وَقَتْ أَمْوَالُنَا أَيْمَانَنَا وَلاَ أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا، فَقَالَ: حَقَنْتُمْ بِأَيْمَانِكُمْ دِمَاءَكُمْ فَخَالَفْتُمْ فِي ذَلِكَ عُمَرَ فَلاَ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ بِكُلِّ حُكْمِهِ وَلاَ تَرَكْتُمُوهُ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ {أَنَّهُ بَدَأَ فِي الْقَسَامَةِ بِالْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا} وَإِذْ قَالَ: تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ غُرْمٌ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بدى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِينَ وَهَذَانِ جَمِيعًا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيْتُمْ عَنْهُ، وَقَدْ أَجَزْتُمْ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُمْ غَيْرُ الَّذِينَ شَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُمْ وَرَدَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ: فَإِنَّا أَجَزْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قُلْت: سَمِعْت مَنْ أَرْضَى يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} قُلْت: وَالْمُنْزَلُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَجَزْت شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ لاَ إلَّا شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ قُلْت: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ إلَّا شَهَادَةَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَمَا الْفَرْقُ؟ فَقُلْت لَهُ: أَفَتُجِيزُ الْيَوْمَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا زَعَمْت أَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لاَ؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْت: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قُلْت: فَقَدْ زَعَمْت بِلِسَانِك أَنَّك خَالَفْت الْقُرْآنَ إذْ لَمْ يُجِزْ اللَّهُ إلَّا مُسْلِمًا فَأَجَزْت كَافِرًا، وَقَالَ لِي قَائِلٌ: إذَا نَصَّ اللَّهُ حُكْمًا فِي كِتَابِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ قُلْت: فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فِي كِتَابِهِ فَأَحْدَثَ فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَنَصَّ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَهُنَّ فَقُلْت: لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا وَنَصَّ الْمَوَارِيثَ فَقُلْت: لاَ يَرِثُ قَاتِلٌ وَلاَ مَمْلُوكٌ وَلاَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانُوا وَلَدًا أَوْ وَالِدًا، وَنَصَّ حَجْبَ الْأُمِّ بِالْإِخْوَةِ فَحَجَبْتهَا بِأَخَوَيْنِ وَنَصَّ لِلْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَرَفْعَ الْعِدَّةِ فَقُلْت: إنْ خَلاَ بِهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهَذِهِ أَحْكَامٌ مَنْصُوصَةٌ فِي الْقُرْآنِ فَهَذَا عِنْدَك خِلاَفُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لاَ يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ شَيْئًا وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ فَيَكُونُ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ وَكُلُّ كَلاَمٍ احْتَمَلَ فِي الْقُرْآنِ مَعَانِيَ فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّ عَلَى أَحَدِ مَعَانِيهِ مُوَافِقَةً لَهُ لاَ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَمَا تَرَكْنَا مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا كَتَبْنَاهُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله مَنْ ادَّعَى مَالاً فَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالاً أَوْ جِنَايَةَ خَطَأٍ بِأَنْ بَلَغَ ذَلِكَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ادَّعَى عَبْدٌ عِتْقًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ ادَّعَى جِرَاحَةَ عَمْدٍ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ أَوْ فِي طَلاَقٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ رَدِّ يَمِينٍ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَكَّةَ كَانَتْ الْيَمِينُ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنْ كَانَتْ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أُحْلِفَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِمَا تُؤَكَّدُ بِهِ الْأَيْمَانُ وَيُتْلَى عَلَيْهِ {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} الآيَةَ.، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ حُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهِمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: أَفَعَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ قَالَ: فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَظِيمَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا وَصَفْت مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَتَبَ إلَيَّ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَنْ أَحْبِسَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ أَقْرَأَ عَلَيْهِمَا {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَفَعَلْت فَاعْتَرَفَتْ قَالَ: وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعْظُمُ فِيهِ الْيَمِينُ وَبِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه يَحْلِفُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاتَّقَاهَا، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تُوَافِقَ قَدْرَ بَلاَءٍ، فَيُقَالَ بِيَمِينِهِ قَالَ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقْتَدَيْنَا وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ وَعَبِيدُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ يَحْلِفُونَ كَمَا وَصَفْنَا. وَيَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يُعَظِّمُ مِنْ الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُ مِنْ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَمَا يُعَظِّمُ الْحَالِفُ مِنْهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلاَ يَحْلِفُونَ بِمَا يَجْهَلُ مَعْرِفَتَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِيمَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْبَتِّ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بَرَاءَةً مِنْ حَقٍّ لَهُ فَيَحْلِفَ بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا الْحَقَّ وَيُسَمِّيَهُ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ وَلاَ مُقْتَضًى بِأَمْرٍ يَعْلَمُهُ وَلاَ أَحَالَ بِهِ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلاَ أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنَّهُ لَثَابِتٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ حَلَفَ بِهَذَا الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِأَبِيهِ حَلَفَ فِي نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ وَفِي أَبِيهِ عَلَى الْعِلْمِ وَإِنْ أُحْلِفَ قَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلاَنِيَةِ، ثُمَّ يُنَسِّقُ الْيَمِينَ وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهُ الْيَمِينَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ {رُكَانَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه السلام وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَرَدَّهَا إلَيْهِ} وَهَذَا تَجْوِيزًا لِلْيَمِينِ فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ فِي طَلاَقِ الْبَتَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى غَيْرَ ذَمٍّ فِي مَالٍ أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ وَاسْتَحِقَّ فَإِنْ أَبَيْت سَأَلْنَاك عَنْ إبَائِك فَإِنْ كَانَ لِتَأْتِي بِبَيِّنَةٍ أَوْ لِتَنْظُرَ فِي حِسَابِك تَرَكْنَاك. وَإِنْ قُلْت: لاَ أُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَحْلِفُ أَبْطَلْنَا أَنْ تَحْلِفَ وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَنَكَلَ الْمُدَّعِي فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ ثُمَّ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ أَخَذْنَا لَهُ حَقَّهُ وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَلَوْ رَدَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَحْلِفُ لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ قَالَ: أُحَلِّفُهُ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ لَمْ أُحَلِّفْهُ إلَّا مَا لِهَذَا وَيُسَمِّيهِ فِي هَذَا الدَّارِ حَقٌّ تُمْلَكُ وَلاَ غَيْرَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُهَا وَتَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ.
مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ اخْتِلاَفِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُكَّامِ وَمِنْ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَمِنْ إمْلاَءٍ فِي الْحُدُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يَقُومُ النُّكُولُ مَقَامَ إقْرَارٍ فِي شَيْء حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَحَلَفْت فِي الْحُدُودِ وَالطَّلاَقِ وَالنَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ وَجَعَلْت الْأَيْمَانَ كُلَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلْتهَا كُلَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي؟ قِيلَ: قُلْته اسْتِدْلاَلاً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ الْخَبَرِ عَنْ عُمَرَ حُكْمُ اللَّهِ عَلَى الْقَاذِفِ غَيْرِ الزَّوْجِ بِالْحَدِّ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا مِنْهُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ وَأَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ الْحَدِّ بِأَنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَيَلْتَعِنَ بِخَامِسَةٍ فَيُسْقِطَ عَنْهُ الْحَدَّ وَيُلْزِمَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَيْمَانٍ وَالْتِعَانِهَا، وَسَنَّ بَيْنَهُمَا الْفُرْقَةَ وَدَرَأَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْحَدَّ بِالْأَيْمَانِ وَالْتِعَانِهِ. وَكَانَتْ أَحْكَامُ الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ خَالَفَتْ أَحْكَامَ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ فَهِيَ مُجَامَعَةٌ لَهَا فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ فِيهِ جَمَعَتْ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَفُرْقَةِ وَنَفْيِ وَلَدٍ فَكَانَ هَذَا الْحَدُّ وَالْفِرَاقُ وَالنَّفْيُ مَعًا دَاخِلَةً فِيهَا وَلاَ يَحِقُّ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَ يَقْذِفُهَا الزَّوْجُ إلَّا بِيَمِينِهِ وَتَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ بِالْقَذْفِ وَلِتَرْكِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرْأَةِ حَدٌّ وَلاَ لِعَانٌ. أَوْ لاَ تَرَى {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّينَ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى يَهُودَ لِيَبْرَءُوا بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْهَا الْأَنْصَارِيُّونَ تَرَكُوا حَقَّهُمْ} أَوْ لاَ تَرَى عُمَرَ جَعَلَ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِينَ وَكُلُّ هَذَا تَحْوِيلُ يَمِينٍ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ نُدِبَتْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَالِفُهُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينُ}. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ إلَّا بِخَبَرٍ لاَزِمٍ وَهُمَا لَفْظَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ جَاءَ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ أَخَذَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حَدَثَ لَهُ حُكْمُ غَيْرِهَا وَهُوَ اسْتِحْلاَفُ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا لَزِمَهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُهَا وَيَجُوزُ رَدُّ الْيَمِينِ كَمَا حَدَثَ لِلْمُدَّعِي، إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا حُكْمٌ غَيْرُهُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَإِذْ حَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْيَمِينَ حَيْثُ وَضَعَهَا فَكَيْفَ لَمْ تُحَوَّلْ كَمَا حَوَّلَهَا.
|